Myspace Rainbow Text - http://www.myrainbowtext.com

7 - عَــــرض كــتـــــاب


7 -  عَــــرض كــتـــــاب
مقدمة في عرض الكتب .
« محمد السيد صالح » ، و : (الأصول في الدفاع عن الرسول) .
مـقـدمـة فـي عــرض الـكـتـب
عرض الكتاب يفرض منهجًا معينـًا في المراجعة ؛ فمجرد العرض هو تكرار لا جديد فيه . وقراءة الكتاب نفسه ، في هذه الحالة أفضل     من مراجعته ؛ فالنص المباشر أفضل من التوسط إليه بوسيط هو المراجعة ، ومتى يمضغ أحد لأحد لُقمته ؟ .
أما قراءة النص من أجل إعادة إنتاجه فيشمل العرض والقراءة ،     أي العرض الكاشف ، إما بالرجوع إلى بنية النص ذاته ، وتركيبه    من حيث فن التأليف وصنعة الكتاب ، وهذه هي المراجعة الشكلية ، أو بإرجاعه إلى الموضوع ذاته من أجل إعادة دراسته من حيث هو علم ؛ وهذه هي المراجعة الموضوعية .
ولا تعني المراجعة كيل المدح أو الذم للكتاب وصاحبه ؛ فقد جاوز الفكر العربيّ والبحث العلميّ في أوطاننا هذا الذي برع فيه القدماء والمُحدثُون ؛ المديح والهجاء ، شعرًا ونثرًا ، علانية وسرًا ؛ فالمؤلف عالم ومواطن جاد ، والمُراجع كذلك ، والقضية مشتركة والهم لدى الجميع ، والصواب صواب الاثنين ، والخطأ خطأ الاثنين .
كما لا تعني المراجعة بيان الصواب والخطأ ؛ الصواب لتأييده والثناء عليه ، والخطأ لنقده والتحذير منه ؛ فتلك (مراجعة المتفرجين) ، وليس اللاعبين ، والعاجزين ، وليس القادرين . إنما تعـني المراجعة : المشاركة في إنتاج النص بما هو عمل جماعيّ ، وبمسئولية   جماعية . القضية قضية الجميع ، والمسئولية مسئولية الجميع( ).
إن المراجعة ذاتها عمل مشترك بين المُرَاجع والمُؤَلِف ، لا في قراءة مُشتركة للنص فحسب ، بل في المراجعة الفعلية كذلك . يقرأ المُرَاجِع المُؤَلِف ، ثم يقرأ المُؤَلِف مراجعة المُرَاجِع ، ثم يقرأ المُرَاجِع مراجعة المُؤَلِف لمراجعته ، وهكذا يستمر الإنتاج المشترك للنص بين المُؤَلِف والقارئ بوصفه مراجعًا ، وبين القارئ والمُؤَلِف بوصفهما مُراجعين لنص المُؤَلِف الأول . وهكذا يمكن الحصول على تأليف مشترك ، ومراجعة مشتركة ، بحيث لا يكون هناك فرق بين التأليف   والمراجعة ؛ بين النص المُؤلَّف والنص المُرَاجع ، أو - باختصار- بين المُؤلِف الأول ، والقارئ الأول . ثم يموت كلاهما ، ويصبح نصهما ملكـًا للجميع ، قراءة ، وتأليفـًا ، وإعادة إنتاج . وهكذا يتطور العِلم ، وتتقدم المعارف ، وتتراكم الخبرات .
والمراجعة : هي رفع النص إلى ميدانه وليس إخراجه منه ، وقياسه بمقاييسه ، وليس نقلا ً له إلى ميدان آخر خارجه ،وتطبيق مقاييس أخرى عليه .
ويكون الغرض من بعض الملاحظات النقدية هو إكمال النص ، وإعادة إنتاجه ؛ فما تم كسبه قد حصلنا عليه ؛ إنما المراجعة هي طلب المزيد من المكاسب ، دون خسارة تذكر إلا سهوًا أو نسيانـًا ، ومن الظلم في المراجعة مطالبة المُؤلِف بما لم يقم به على أساس أنه كان من الواجب أن يفعله ؛ لأنه لو كان الأمر كذلك ، لكان قد فعله . وفي هذه الحالة تكون المراجعة (تأليفـًا موازيًا ثانيًا)، وليس إنتاجًا مشتركـًا للنص الأول . والكتاب في النهاية رؤية المؤلف وعمله ، وليس رؤية المراجع وعمله .
ولكن من العدل مراجعة المؤلف فيما فعله فحسب ؛ من أجل تحسينه ، وإكماله بما هو مسئولية مشتركة ، وتذكيره بما فات ، أو تصحيح   حكم ، أو إتقان لفن الصنعة ، أو شحذ لهمة ، أو تحقيق النوايا بدلا ًمن الاكتفاء بالإعلان عنها ، وكلنا هذا الكيان المزدوج بين الحلم والواقع ، و(الطموح والإمكان)، من أجل مزيد من الكمال الذي نسعى إليه .  
وفي (البيان والتبيين) لـ« الجاحظ » كلام دقيق جدًا  لـ « سهل بن هارون » في وجوب أن يحترس الناقد مِن الميل إلى أحد الجانبين : (الانخداع بالظاهر، والمبالغة في الإعجاب والمدح ، والخوف مِن الوقوع في المجاملة ، مما يُفضي إلى الغض مِن العمل المنقـُود ، وعدم توفيتهِ حقه)( ). ويُفهم من كلامه أنه لا يفلت من الوقوع في هذين الطرفين إلا الناقد الراجح العقل ، والراسخ العلم . وجدير بالذكر أن : (خبرة الناقد ، وثقافته الخاصة ، ودربته على التمييز)، تُشكل جميعُها مبررات قوية للثقة في دقة أحكامه وصوابها ، وبعدها عن الهَوى ، سواء بسبب من عصبية شخصية أم عصبية فنية . لأن من عرف مستـُور المعنى ومكشُوفه ، ومرفوض اللفظ ومألوفه ، وميز البديع الذي لم تقتسمه المعارض ، ولم تعتسِفهُ الخواطر، ونظر وتبحر ، ودار في أساليب الأدب فتخير ... تراه لا ينظر إلا بعين البصيرة ، ولا يسمعُ إلا بأذن النَّصَفـَة ، ولا يَنقد إلا بعين المعْدَلة ، فحكمه الحكم الذي لا يُبدّل ، ونقدهُ النقد الذي لا يُغيّر( ).
هناك - إذن - أساس علميّ وراء موضوعيّة الناقد يـُمكـِّنهُ من اختيار الجيد ، وعدم الانقياد لشهوتِه ، هذا الأساس هو :
(امتلاكهُ لأدواته وخبرته بمجال عمله ، واطلاعه على وجوه الحُسن وصنُوف المَقابـِـح) ( ) .
أكثر من هذا يتقدم « المرزوقي » خطوة أبعد في الربط بين ثقافة الناقد ، وإمكانية الوصول إلى أحكام سليمة عند الحُكم ، وذلك حين يجعل من كل عنصر من عناصر ثقافة الناقد واستعداده عيارًا يُحتكمُ إليه في الحُكم ِعلى أحد عناصر الجودة في النص المنقـُود ( ) .
وحياد الناقد يجعله لا يفقد بوصلته الصحيحة في الحوار مع صاحب العمل المنقـُود ، ويحميه من الدخول في نفق مُظلم ، كما أن اقتراب الناقد من الموضوعية ، ومواجهة نفسه قبل أن يواجه الآخرين ، يجعله قادرًا على الحوار ، ونبذ الشجار ، وتجنب أساليب النفير الصاخب ، كما يساعده على إعمال العقل ، نقدًا وتحليلا ً. 
(1) محمـد السيد صالح  و : (الأصول في الدفـاع عـن الرسول)
قبل الحديث عن كتاب الكاتب « محمد السيد صالح » ( ) أود أن أنوه إلى أن حرية التعبير تشمل حق الكلام ، والكتابة ، والنشر، وما يقوم مقامها في نقل الأفكار والمشاعر ، مع حرص جميع النُظم السياسية على كفالة هذه الحرية ، والنص عليها في الدساتير ، وحرية التعبير ضرورية لسير النُظم الديمقراطية ؛ لأنها الوسيلة الأساس لتنوير الرأي العام الذي يوجه الحياة السياسية ، وهذه أمور تضمنها (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)، الذي صدقت عليه " الجمعية العامة للأمم المتحدة " في (10/12/1948م) ( ).
يبدأ الكتاب( ) بإهداء إلى الحبيب المصطفى ، ومقدمة ، ثم حديث عن محاربة الإسلام (ص 4)، ومواقف رحمة الرسول ، وأخلاقه (ص 8) ، وفيها استشهاد بآيات قرآنية ، مع الأحاديث النبوية ، والأبيات الشعرية ، التي تمثل معادلا ًموضوعيًا لما يقوله المؤلف ، وفي (ص 17) يكتب عن الرسول تحت عنوان :(رجل صدق في حياته ومماته)، ويتطرق الكاتب إلى كتاب « سلمان رشدي » (آيات شيطانية)، ثم يحدثنا عن معجزات الرسول (ص 20)، ويعرج على ما نشرته صحيفة دنماركية عن مسابقة لرسم كاريكاتيري للرسول .
ويعود (ص 25) إلى نفس موضوع الرسوم الدنماركية ، ويسأل  (ص 26)عن السبيل لنصرة النبي ، ويَذكر أسماء النبي ، والرسائل التي أرسلها إلى الملوك للدخول في الإسلام ، ومكانة النبي ، والإساءة إليه ، ومصادرة مجمع البحوث الإسلامية لكتاب : (ليالي بيشاور) ، ويشير إلى كتاب : (وليمة أعشاب البحر)  للكاتب السوريّ « حيدر حيدر » ، ولا يسميه ، وفي (ص 36) يحدثنا عن النبي ورسالته في (التربية والتعليم) ، ويقدم (ص 38) شهادة الغرب للنبي ، ورأي الصحابة في الرسول ، ويعود (ص47) إلى الحديث عن إساءة أفراد من الدنمارك للنبي ، ويتفرع الحديث  إلى رأي المستشرقين في النبي ، ويعود أيضًا (ص 50) إلى أسماء النبي ، ثم معجزة القرآن (ص 52)، وتحت عنوان : (الحبيب المصطفى) (ص 55) نطالع عبارات تم ترتيبها على شكل القصيدة العمودية مطلعها :(قولوا ما تقولوا عن سيد الأنبياء / وقولكم لا يضيف أو ينقص الثراء)، ويحدثنا عن الخلل الذي ينبغي البحث عنه ، ثم يعود للحديث عن الرسوم الدنماركية ، و« سلمان رشدي »، وتحت عنوان : (يا رب) يرتب الكاتب كلامًا على نسق الشعر .. ثم يذكر الذين هاجموا الإسلام ، ويرد عليهم ، فيذكر
« نوال السعـداوي » ، و« طه حسين » (1889م - 1973م) ، وكتابه (في الشعـر الجاهلي) ، و« نجيب محفوظ » (1911م - 2006م) ، وروايته : (أولاد حارتـنـا) ، و« أمينة داود » التي أمّت الناس في الصلاة في أمريكا ، و« سام هارس » وكتاب : (نهاية الإيمان)، ويُعدد أسماء كُتاب الغرب الذين أنصفوا الإسلام ،ثم الشبهات التي تلحق بالإسلام ، وتعدد الزوجات ، ثم يرد على شبهة تخلف المسلمين ، واتهام النبي بالسحر والكهانة (ص 115)،  ويُسهب في ذكر الصحف التي أساءت للنبي ، ثم يرد على " القرآنيين " الذين لا يعترفون بالأحاديث النبوية ، والسُنة المطهرة (ص 119) ، ويحدثنا عن المرتدين عن الإسلام (ص 127) ، وعن النفاق (ص 129)، وعن « عبد الله بن أبي بن سلول » ،مع رؤية في النفاق والمنافقين ، وعرض لصور من حياتهم زمن النبي ، ثم يعود إلى الحديث عن « عبد الله بن أبي بن سلول » وشخصيته (ص 143)، ويذكر الآيات التي نزلت في حق المنافقين (ص 151) ، ويسهب في ذكر أساليب النفاق (ص 157)، ويُحدثنا عن مكانة الشعر قبل الإسلام (ص 167)، ويعود للحديث عن النفاق ومصادره (ص 178)، والفرق بين المُنافق والكافر (ص 183) ، وتشابه عقائد اليهود والشيعة (ص 184) ، ويعود إلى تفنيد اللؤم والنفاق (ص 188)، والنفاق ومشاكله (ص 192)، والنفاق السياسيّ ، وشيوعه في المجتمعات (ص 193)، ويأتي الختام تحت عنوان : (معلومات تهم القارئ على شكل سؤال وجواب) - لا علاقة لها بموضوع الكتاب - والكاتب مهموم بقضايا الفكر الدينيّ ، والكتاب الذي بين أيدينا يجري في هذا المضمار ؛ ولكنه يفتقر إلى انضباط المنهج ، ووحدة الموضوع ، واستقصاء المعلومات في مظانها المختلفة ، والرجوع إلى المراجع والكتب ، والمقالات لتأكيد الفكرة ، فالرسوم المسيئة للرسول كشفت عن أننا نواجه الغرب العنصريّ ، الذي استسلم للوثنية الإغريقية التي تمجد القوة والغطرسة ، والاستهانة بالمقدسات ، ولقد وقع بابا الفاتيكان « بنديكت » في الخطأ حين ساير المظاهر العدائية للإسلام ، ونقل عبارة لإمبراطور بيزنطيّ في      (ق 14م) يقول فيها : (أرني شيئًا جديدًا أتى به « محمد » فلن تجد إلا ما هو شرير ، كنشره الدين بحد السيف) . ولقد تعددت مظاهر العداء للإسلام بعد (سبتمبر 2001م) ، حيث استغل الرئيس الأمريكيّ السابق « جورج دبليو بوش » الموقف وغزا العراق ، وفرض الهيمنة ، وراح يقول إن :(الله أمره بقتال " طالبان " ففعل ، وأمره بمحاربة « صدام حسين » ففعل). ووضع العسكريون الأمريكيون المصحف في المراحيض ، وتبولوا عليه .
إثــــــارة الشـبـهـــــات
ومن البديهي أن تتغير ردود الأفعال إزاء حملات الرسوم المسيئة الدنماركية , بعد أن خرجنا من المواجهة عامي (2005م/2006م) بأكبر قدر من الخسائر ، فلا نحن دافعنا بجدية عن ديننا ورسولنا ، ولا نحن سلمنا من الاتهام بالعنف ، فالدفاع عن الإسلام والنبي لا يكون بالمظاهرات ، والاعتداء على ملكيات وحقوق الآخرين ، وحرق السيارات ، والمباني والمؤسسات ، والأعلام ؛ لأن ذلك يؤكد ما يقولونه عنا ، والمطلوب هو الحوار البنـّاء مع الآخرين من خلال المؤتمرات ، والترجمة لمختلف اللغات عبر مراكزنا الثقافية والإسلامية ، وسفاراتنا بالخارج ، وشبكة الإنترنت ( )، كما أن الذين سافروا للحوار إلى (الدنمارك) لم يؤثروا في شيء ، وحين قبضت الدنمارك على مجموعة مِن المُشتبه فيهم للتخطيط لقتل رسام الكاريكاتير الذي صمم هذه الرسومات ، ثارت بعض الفئات ، وانتهت ثورتهم إلى صفر كبير . ولقد قامت (بلجيكا) ممثلة في (وزارة داخليتها) برفض دخول (مجموعة من الدعاة المسلمين), الذين أوفدهم (الأزهـر) للقيام بأعمال الدعوة الإسلامية بالمركز الإسلاميّ في (بروكسل) , دون إبداء أسباب لهذا المَنع ، والعيب ليس في البلجيك لرفضهم دخول الدعاة ؛ إنما العيب في المسلمين وصورتهم المشوهة لدى الغرب ، وهو ما يحتاج إلى الجهود الكبيرة لتصحيح صورة المسلمين عن طريق المنظمات والمؤسسات الإسلامية ، ووزارات الخارجية في الدول الإسلامية ، وفتح قنوات اتصال  مع الغرب ؛ لتغيير الصورة السيئة التي رُسمت للإسلام والمسلمين ، ويقع الجزء الأكبر على منظمة المؤتمر الإسلامي ؛ لفتح صفحات جديدة للتعامل مع الغرب ، أما المطالبة بمنع التعامل التجاريّ ،  وعدم استيراد منتجات الغرب ، وصمت المرجعيات الدينية في عالمنا الإسلاميّ - وعلى رأسها الأزهـر - فذلك من الأمور التي ينبغي إعادة النظر فيها ، لعدم مناسبتها لروح العصر . ولماذا لا نجادلهم بـ(التي هي أحسن) ، حتى يتحول الأعداء إلى أصدقاء ( ). ومع الأسف يُفسر معظمنا (أحسن) بأنها : القتال ، والطعان ، والدمار ، والمقاطعة ، واختيار (أحسن) العربات لتفجيرها ( ). ولا شك أن الإعلام المتحضر هو عامل من عوامل التقارب بين الشعوب والديانات ، ولا يفرق بين أصحاب الديانات ، ولا يثير الفتن والشبهات . ومن الجدير بالذكر أن جريمة الإساءة للرسول ارتكبت باسم الغرب العلمانيّ ، وليس باسم المسيح أو المسيحيّة . ولقد صدر كتاب في أمريكا بعنوان : (الفرقان الحق) أراد به أصحابه أن يكون بديلا ً للقرآن ، وزعموا أنه وحي :(ولقد أنزلنا الفرقان الحق وحيًا وألقيناه نورًا)، والكِتاب جاء على هيئة الآيات القرآنية : (يا أيها الذين كفروا من عبادنا ، لقد ضل رائدكم وغوى . إن هو إلا وحي إفكٍ يُوحي علمه مريد القوى ...   فلا يقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المَس , إذ ينزل عليه رجزًا ... )( ) وفيه إثارة للشبهات حول شرائع الإسلام ، وأحكامه ، والتشكيك فيها ، وكذلك ما يتصل بالمرأة ، والزواج ، والطلاق ، والشهادة ، والإرث ، وغير ذلك من الموضوعات التي أثارها المستشرقون قديمًا ، ولو ركز الكاتب على موضوع واحد لكان في هذا العمل الفضل الغامر ، كما أنه كفـّر بعض الشخصيات الأدبية كـ« نجيب محفوظ » (1911م - 2006م) ، وعلل حصوله على جائزة نوبل بروايته :(أولاد حارتـنـا)، ومن المعروف أن الجائزة تمنح على مجمل أعمال الكاتب ، ولا تمنح له لإبداع كتاب من كتبه ، ويظهر ذلك في نص التقييم الذي نشرته الأكاديمية السويدية , وهي الجهة المانحة للجائزة ، حيث يقول عن الفائز « نجيب محفوظ » (1988م):(الذي شكل بفضل أعمال غنية ، فنًا سرديًا عربيًا - تارة ً واقعيًا وجليًا ، وتارة أخرى موحيًا باللبس والإبهام - ينطبق على كل البشر)( ). ولقد حشد المؤلف المعلومات الكثيرة حشدًا ، ونأمل أن يتخلص من الحشو في طبعة ثانية للكتاب .
ويشير الكـَاتب إلى آراء النقاد في أدب « نجيب محفوظ » كالدكتور  « صلاح فضل » في كتابه (شفرات النص) (ص 149) ، يقول عن (أولاد حارتـنـا):(هناك مفارقة طريفة ، إذ تصدى للحكم عليها ومصادرتها قوم لا شأن لهم بالنقد ، ولا علم لهم بوسائله وأدواته ، أخذًا بالشبهة والظن ، وتحرجًا في قضايا الدين ، وإدعاء للفهم والتحليل ، بينما أحجم معظم النقاد عن وظيفتهم الحقيقية إيثارًا للسلامة ، وربما عجزًا عن إثبات أمر أولي وبديهي ... )،       فالجدل واللغظ حول (أولاد حارتـنـا) كثير، وكان من الواجب عرض فكر المؤيدين , والمعارضين للعمل الإبداعي (أولاد حارتـنـا)، فمنهم المؤيد المناصر له ، ومنهم المخالف المعارض المتشكك  في قصده ورمزه ، كما أنه لا يجوز أن نحاكم العمل الأدبيّ بمقاييس الأدب المتشدد ، لأننا إذا فعلنا ذلك سوف تخسر الدين والأدب معًا .
وماذا يفعـل الكـاتـب « محمــد السيــد صـالـح » بــهـــؤلاء ؟ :
 (1) الخليفة الأمويّ الشاعر « الوليد بن يزيد بن عبد الملك »  (88 هـ - 126هـ / 707م - 744م) الذي استفتح في المُصحف فوجد فيه :
اسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كـُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ، مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ( ) ؛ فمّزق المصحف بالسهام ، وأنشد :
  أتـوعـد كـل جـبـار ٍعـنـيـد ؟ فهـا أنا ذاك جـبـارٌ عـنـيـد .
  إذا قابلت ربَـك يَـومَ حشـر ٍ فقـُل للهِ : مَزّقني « الوليـد »
وقد حكم « الوليد » في الفترة (125 - 126 هـ / 743م - 744م)، وحقق ديوانه الشعريّ المستشرق الإيطاليّ « جبريلي ».
(2) « أبو معاذ بشار بن بُرد بن يرجوخ العقيلي » (714م - 784م) الذي اتهم بالزندقة ، وتعلل بها الخليفة « المهديّ » (775م - 785م) عندما أمر بجلده لهجائه إياه ؛ فأدى ذلك إلى موته ، وهو الذي أجاز قول الخليفة العباسيّ « المهديّ » - فيما يرويه    الأصفهانيّ( )- :(نظرت عيني لحيني) ، فأكمل « بشار » :(نَظرًا وافق شيني) ، ثم يواصل « بشار » : (سترت لما رأتني / دونه بالراحتين ِ./ فضلت منه فضول/ تحت طي العكنتين ِ./ فتمنيت وقلبي / للهوى في زفرتين ِ. / أنني كنت عليه / ساعة أو ساعتين ِ)( ) .
(3) « الحسن بن هانئ » (أبو نواس)(762 م - 814 م) وأشعاره في الزنا ، واللواط ، والغزل بالمذكر والمؤنث ، وشرب الخمر، وقوله وهو يدعو صاحبه :
  يا أحمد المرتجى في كل نائبةٍ    قم سيدي نعص جبار السماوات .
(4) « الجاحظ » (أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني) (777م - 868م) الذي كتب رسالة كاملة عن المفاخرة بين أصحاب الغلمان , وأصحاب الجواري ، استعرض فيها منطق الشواذ جنسيًا في تفضيلهم الغلمان على النساء .
(5) « ابن عبد ربه » (860 م - 940م) صاحب العقد ، (الذي اشتهر خطأ باسم : (العقد الفريد)، وهو أشهر الكـُتـب العربية ،  جزأه في خمسة وعشرين كتابًا ، وهو أشبه ما يكون بدائرة معارف مصغرة ( ).
(6) « قُرمُط »( ) زعيم القرامطة  (ت 906م) القائل :(أنا بالله ، وبالله أنا / يخلق الخلق وأفنيهم أنا)؟ .
(7) « المتنبي » (أبو الطيّب أحمد بن الحسين)(915م - 965م) القائل : (أي محل ارتقي / وأي عظيم اتقي / وكل ما خلق الله / وما لم يخلق / محتقر في همتي / كشعـرة في مفرقي)؟
(8) « ابن هانئ الأندلسي » (938 هـ - 973هـ) ومدحه للخليفة « المعز لدين الله الفاطميّ » : (ما شئت لا ما شاءت الأقدار / فاحكم فأنت الواحد القهار / وكأنما أنت النبي « محمد » / وكأنما أنصارك الأنصار) .
(9) « ابن حزم الظاهري » (994 - 1064م) صاحب (طوق الحمامة) الذي كتب فيه عن تجربته الخاصة مع الجارية « نـُعـْـم » ؟.
(10) « أبو حيان التوحيدي »( ) (علي بن محمد)(بعد 1010م) المتهم بالزندقة .
ومن بين هؤلاء الأدباء مَن تحدث عن المعاصي حديث من يستمتع بها ويدعو إليها ؟ ( ).
وماذا يفعل المؤلف في :
(1) « عباس محمود العقاد » (1889م - 1964م)، وقوله : (الشاعرُ الفذ ُ بين الناسِ رحمن)؟ .
(2) « أمل دنقل »( )(1940م - 1983م) الذي بدأ إحدى قصائده بتمجيد الشيطان ؟ .
(3) " الشاعر " الذي تتغنى بكلماته المُطربة اللبنانية « فيرُوز » ( ) في قوله :(إذا كان ذنبي أن حبك سيدي / فكل ليالي العاشقين ذنوب / أتوب إلى ربي وإني لمرة / يسامحني ربي إليك أتوب) .
(4) ومدح (شاعر يمنيّ معاصر) لرئيس دولته في قصيدة بعنوان : (وظفوني) ؛ فعُيّن سفيرًا ، وفيها :(سوف أمضي صادق الحب وفيا / للزعيم القائد الكفء المُقلد / المُمجد / المُخلد / هو معبودي / ومحبوبي / وديني / وأبي والأم والجد / وهو القانون والشرع / ومن خالفه بالدين مُرتد / وأنا المؤمن بالله إذا شاء / وإن شاء سأجحد) .
(5) الشاعرة الكويتية الدكتورة « عالية شعـيـب » الأستاذة  بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بالكويت في قصيدة لها بعنوان : (هكذا مات):(بينما تحدثني الفراشات عن جِنازتِه / يتأنسن الله)( ) .  
وهنا نسأل : هل نحـن قـضـاة عـلـى إيـمـان الـنــــاس ؟! .
وأتمنى أن يقوم الكاتب « محمد السيد صالح » بتنقيح كتابه ،        حتى لا يُقال : إن الكتاب يصب في (خانة التعصب) ، الذي يعمي الناس عن رؤية الحقيقة ، أو التطرف ، الذي يعد من الأسباب المباشرة لخلق صورة مُشوهة ٍعن الآخر، والتأثير على تماسك وحدة المسلمين الوطنية ، ولا ضير في ذلك ، فـ« بنت الشاطىء »( ) تقول:
(كل كتابٍ لي قطعةٌ مني ، وأثر من آثار ِخُطاي ، وذِكرَى من ذكريات ماضيّ ، فلأن كانت كتاباتي الأولى عزيزة عليّ لكونها باكورة العطاء ، وذكرى الصبا الغض ، فإنني أعتز بكتاباتي الأخيرة ، بما تمثلُ من نضج ٍ، وما تحملُ من مَدد الزاد السخيّ الذي تزودتُ به).  وتـُضيف: (ندمت على أنني تعجلتُ التأليف ، في الدراسات العربية والإسلامية قبل أن أستكمل أدوات النضج ، ورسوخ الدراية ، واتجهت منذ سنين إلى إعادة طبع ما تقضي الضرورة بتصحيحه).
إن ما نشاهده هذه الأيام لمُحزن ، ومِن ذلك ما نراه من توتر  واحتقان ، وتراشق بالكلمات بين مشايخ الفضائيات ، من خلال البث الفضائي ، حيث يبلغ الصخب مَدَاه ، فيتهم بعضهم بعضًا بالجهل وعدم الفهم ، ثم يتجه البعض الآخر إلى المحاكم ، في مناخ متطرف يتنفس هواءه العوام ، الذين لا يتقصون الحقائق ، فيتشكـّـل البناء الفكريّ لديهم بطريقة الـ" تيك أواي " (Take a Way) ، مع الخلط بين الديني والسياسي ، وازدراء الآخر كرد فعل لبلبلة الرأي العام ، والحساسية القائمة على نوع ٍ من المعلومات غير العِلميّة ، فشيوخ القنوات الفضائية يُدخلون الناس الجنة والنار على هواهم ، مع محاسبة الآخرين ، وإصدار الأحكام القطعية في حقهم ، ناهيك   عن عبارات اللوم والتوبيخ ، والتهديد والوعيد على شاكلة : فلانة ستدخل الجنة ، وفلان مصيره النار ، ولقد حرّم " أحد المشايخ " مشاهدة التلفاز في برنامج تلفازيّ ظهر فيه ، وحرَّم شيخٌ آخر نقل الدم ، لكنه حللهُ لنفسهِ في مرضِه ( ). ولقد رصدت مجلة (فوربس)الأمريكية أموال " نجوم الدعوة الإسلامية "، وأشهرهم :(1) المصريّ « عمرو خالد » ، وصافي دخله (2.5 مليون دولار).(2) الكويتيّ « طارق سويدان »، ودخله (مليون دولار).(3) السعوديّ « عائض القرني »، ودخله (533 ألف دولار).(4) المصريّ « عمر عبد الكافي »، المقيم في الإمارات ، بدخل (373 ألف دولار)( ) .
ومن هنا تظهر الرغبة المُلحة في تجديد الخطاب الديني , والشفافية في القول والفعل , والرجوع إلى أصول التفسير الصحيح للنصوص , وعدم الحكم بظاهر النص الديني , وعدم إصدار الفتاوى البعيدة عن مقاصد الشريعة الإسلامية ، وعن منهج الرسول   .
وأدعو الكاتب « محمد السيد صالح » إلى قراءة كتاب الدكتور « نبيل لوقا بباوي »:(محمد  الحقيقة والافتراء في سيرته)، فهو من الكـُتـب التي دافعت عن محمد ، ورغم أن صاحب الكتاب يدين بـ" المسيحية " ، إلا أنه وُفق في دحض الافتراءات والأكاذيب التي تحاول النيل من سيرة النبي ( ).
وأخيرًا فإنني أهمس في أُذن الكاتب « محمد السيد صالح » :
(إن تكفير الأدباء مطلبٌ عَسِر المهلك ، ومنهل وعر المسلك ، وخوضٌ في فضول لا تُغني ، وتضييعٌ للعُـمـر الذي هو أنفس بضائع الإنسان بغير فائدة).